المواجهة الفلسطينية لصفقة ترامب

المواجهة الفلسطينية لصفقة ترامب

  • المواجهة الفلسطينية لصفقة ترامب

اخرى قبل 5 سنة

المواجهة الفلسطينية لصفقة ترامب

د. نبيل شعث

يدور الحديث في وسائل الإعلام ومناقشات الاجتماعات السياسية وقرارات القمم العربية هذه الأيام حول "صفقة القرن". متى سوف تعلن مكتوبة بتفاصيلها؟ بعد الانتخابات الإسرائيلية أم بعد تشكيل الوزارة الإسرائيلية الجديدة أم بعد رمضان؟ تراها صفقة العار أم صفعة القرن التي سوف نردها؟ ما الذي يريده حقيقة ثنائي السيطرة والاستيطان: ترامب ونتنياهو من هذه الصفقة؟ تصفية القضية الفلسطينية أم السيطرة على منطقة الشرق الأوسط ؟ أم كلاهما ؟ وهل يمكن مواجهة هذه الصفقة وإفشالها؟

لا شك أن نتنياهو بدعم كامل من ترامب يريد ابتلاع أرض الضفة الغربية وفرض الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني عليها، واغتصاب قدسها، وإنهاء مطالبة اللاجئين الفلسطينيين، الذين شردتهم الهجمة الإسرائيلية والأمريكية، بالعودة إلى بلادهم والاستمرار في فرض الحصار على غزة الصامدة وإبقائها بعيدة عن الضفة الغربية. ولا شك أن ذلك جزء من خطة الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على الشرق الأوسط.

التهديد الأمريكي بالخطر الإيراني سبق صفقة القرن وأعد لها. الاقتراح الأمريكي كان: إيران خطر يهدد دول الخليج العربي ولكنه يهدد اسرائيل أيضاً. فلماذا لا تتحالف دول الخليج التي تملك المال مع اسرائيل التي تمتلك القوة العسكرية لمواجهة إيران وهزيمتها ما يحقق الأمان للطرفين؟ ويسمح للولايات المتحدة بالسيطرة الكاملة على المنطقة. يمكن أن نجد حلا للقضية الفلسطينية يعطي شيئاً للفلسطينيين ولعله المال الذي "يحسن" أوضاعهم في ظل حكم ذاتي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة التي تكفل لها الأمن وتنفيذ المشروع الصهيوني. فكانت صفقة القرن. عهد بها ترامب لجاريد كوشنر زوج ابنته اليهودي القريب من أيدلسون الثري الصهيوني الذي مول حملة ترامب الانتخابية. كوشنر كان هو أيضاً "معلم" ترامب الذي أعطاه درساً في التاريخ، فشرح له في "عشرة دقائق"، كما صرح ترامب، أحقية اسرائيل في ضم الجولان السورية. قرر ترامب بعدها الاعتراف بالجولان جزءاً من اسرائيل يكفل لها الأمن في شمالها. شرح كوشنر لترامب أن مفتاح الحل في اسرائيل يكمن في نتنياهو وتحالفه اليميني الصهيوني ولذلك فعلي ترامب الاستماع لمطالبه وترجمتها الى قواعد لصفقة القرن. قال كوشنر: لا يستطيع نتنياهو، حرصاً على استمرار تحالفه اليميني، القبول بصفقة لا تؤمن له القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وتنهي مطالب الفلسطينيين بعودة اللاجئين الى بلادهم وبدولة مستقلة على أي جزء منها، وتكفل له استمرار المشروع الاستيطاني على أرض الضفة، وتحقيق الأمن لإسرائيل. ترجم كوشنر مطالب نتنياهو الى إجراءات نفذها ترامب على الأرض قبل أن يعلنها قواعد لصفقة القرن. نقل سفارته الى القدس، معترفاً بها العاصمة الموحدة لإسرائيل، وأصدر تعليماته بعدم وصف الضفة بالأرض المحتلة وأوقف الاعتراض على المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وتوقف عن استخدام تعبير "حل الدولتين". أغلق ترامب مكتبنا التمثيلي في واشنطن وطرد سفيرنا هناك وأوقف كل الدعم المالي الأمريكي للسلطة الفلسطينية بل ولمستشفيات القدس.

كانت الولايات المتحدة حتى وصول ترامب للحكم تنتقد الاستيطان وتعتبره مخالفاً للقانون الدولي، ثم أصبحت تعتبره معرقلاً لعملية السلام وتعتبر الضفة الغربية والقدس الشرقية أرضا محتلة، وقد تغير هذا كلياً في عهد ترامب الذي ألغى كلمة "محتلة"، في الإشارة إلى الضفة الغربية، وتوقف عن انتقاد الاستيطان واعتبر المستوطنات حقا لإسرائيل.

لم يكتف ترامب بتشجيع الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بما في ذلك القدس الشريف. والأرجح أنه سوف يعترف بضم ما يشاء نتنياهو من أرض الضفة الغربية، إضافة لما فعله من نقل سفارته إلى القدس واعترافه بها عاصمة لإسرائيل وللشعب اليهودي في العالم، كما أنه أعلن تأييده لقانون القومية اليهودي الإسرائيلي الذي يعلن أن أرض فلسطين بكاملها هي ارض إسرائيلية لا يحق إلا للشعب اليهودي في العالم تقرير المصير عليها، وأنه ليس للفلسطينيين أي حقوق على هذه الأرض، منتزعاً أيضاً حقوق المواطنة من الفلسطينيين الذين لم يغادروا بيوتهم وقراهم في حرب 1948 واستولت إسرائيل على أراضيهم وفرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية.

ترامب قام أيضاً بالإعلان عن نهاية قضية اللاجئين وإلغاء كافة التزامات أمريكا تجاه وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين، باعتبار أن اللاجئ الفلسطيني حسب تعريفه هو من غادر أرضه عام 1948 ومازال حياً أي أن يكون عمره يزيد عن 72 عاماً، أما أولاده وأحفاده وزوجته وأشقاؤه وشقيقاته فهم ليسوا لاجئين، وبذلك فلقد قرر ترامب أن اللاجئين الفلسطينيين ليسوا أل 5 مليون المسجلين في وكالة الغوث والموجودين في الضفة وغزة ولبنان وسوريا والأردن، وأولئك غير المسجلين والمنتشرين في أنحاء العالم انما هم فقط 42.300 لاجئ فلسطيني حسب تعريفه، وقام باستصدار قانون من الكونجرس الأمريكي بذلك، كأنما اعتبر الكونجرس الأمريكي مقرراً للقانون الدولي ومشرعاً لمن يعتبره لاجئاً فلسطينياً أو غير لاجئ. استند ترامب لهذه الأرقام للتنصل من التزامات الولايات المتحدة تجاه وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين.

أستغرب مقولة "انتظروا لتروا ما سيأتي به ترامب من صفقة القرن" بعد ما قام به ترامب من إجراءات على الأرض تتحدى الحقوق والشرعية الدولية وتلغي المواقف الأمريكية السابقة وقرارات الأمم المتحدة، وقد قام ترامب بذلك كله قبل أن يعلن عن صفقته المشؤومة. وأعلن مساعدوه أن الصفقة ستعطي اسرائيل أمناً وتعطي الفلسطينيين مالاً!

الدعم الذي تقدمه أمريكا بقيادة دونالد ترامب اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وإعلامياً ودبلوماسياً لإسرائيل وقيادتها اليمينية الصهيونية المتطرفة هو الذي يمكنها من ممارسة التطرف العنصري الاستيطاني، فالاعتداء على الأقصى ونهب القدس واستيطان الضفة وسرقة أراضيها والاعتداء المستمر على غزة وحصارها، وفصلها عن الضفة والتمييز العنصري ضد المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل وعلى الأراضي المحتلة عام 1967، والاعتداء على أهلنا رجالاً ونساء وأطفالا وسرقة أموالنا وحقوقنا تقوم اسرائيل بذلك كله بدعم علني وقح من الرئيس الأمريكي والحكومة الأمريكية.

يحاول ترامب جاهداً تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، دعماً لإسرائيل، وهي التي لم يقتصر عدوانها على أرض فلسطين كلها وإنما تجاوزها لمصر والأردن وسوريا ولبنان بل والعراق وتونس والسودان، وهي التي تمارس الآن في فلسطين أسوأ جرائم العنصرية في هذا الزمان.

مازال ترامب يؤجل الإعلان عن صفقة العار في ظل مطالبة اسرائيل بشروط جديدة لصالحها، وتوقيت يناسب رئيس وزرائها.

يريد نتنياهو تأكيداً بأن أي صفقة أمريكية يجب أن تتجنب اقتلاع مستوطن إسرائيلي واحد من الأرض الفلسطينية المحتلة في الضفة وأن السيطرة الأمنية على الأرض الفلسطينية بكاملها غرب نهر الأردن تبقى في يد إسرائيل وقواتها، وأنه لا مكان لدولة فلسطينية على أي جزء من فلسطين، كما أكد نتنياهو أنه لن يسمح بعودة الوحدة بين غزة والضفة أو بعودة السلطة إلى قطاع غزة أو بعودة أي لاجئ فلسطيني إلى أرضه.

ما تخطط له أمريكا ترامب من صفقة القرن هو تصفية القضية الفلسطينية لحساب إسرائيل مقابل حكم ذاتي محدود في غزة وحدها، وبعض المال.

 

التعليقات على خبر: المواجهة الفلسطينية لصفقة ترامب

حمل التطبيق الأن